التحول الأمريكي- إسرائيل تفقد تأييد جمهورها الاستراتيجي.
المؤلف: بشرى فيصل السباعي09.02.2025

كم سيكون نافعاً لو أن الإسرائيليين يراقبون عن كثب صفحات الأمريكيين على منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام! إذ سيشاهدون رأياً عاماً مناهضاً بشكل قاطع لإسرائيل وأي انخراط في حروب الشرق الأوسط، وهذا العداء غير مسبوق. إن الأصوات الأكثر شراسة في معارضة إسرائيل والانزلاق إلى حرب جديدة تنبع من قاعدة مؤيدي ترامب، وعلى رأسهم المؤثرون الذين ساهموا في وصوله إلى السلطة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وقناة فوكس الإخبارية. حساباتهم تزخر بما يتجاوز مجرد معارضة لإسرائيل وأفعالها والانخراط في صراعات الشرق الأوسط، لتصل إلى ما يسمى بمعاداة السامية ونظريات المؤامرة التي تدور حول سيطرة اليهود على أمريكا والعالم.
وبما أن الغالبية العظمى من ناخبي ترامب هم من المسيحيين المتدينين، فقد اتخذ تعبيرهم عن رفض إسرائيل طابعاً دينياً. أي شخص يتمعن في هذه الحسابات الأمريكية سيجد أن إسرائيل قد خسرت إلى الأبد تأييد الجمهور الأمريكي، خاصة تلك الشريحة المتدينة التي كانت تمثل سندها الاستراتيجي. في الماضي، كان دعم القضية الفلسطينية، وخاصة في غزة، مقتصراً على المحسوبين على اليسار الأمريكي، أما الآن، فإن اليمين الأمريكي، بل وأقصى اليمين الديني والقومي المتطرف، أصبحوا من أشد خصوم إسرائيل، بعد أن كانوا من أقوى حلفائها وأنصارها. هذا التحول ليس نابعاً من حب للإيرانيين أو الفلسطينيين، بل من إيمانهم بالمصلحة الأمريكية التي يرون أنها تتعارض مع سياسات إسرائيل التوسعية في الشرق الأوسط.
ومما عزز هذا التحول الجذري في الرأي العام الأمريكي، المقابلات التي يجريها نجوم وسائل التواصل مع مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأمريكية والجيش، بالإضافة إلى أكاديميين ومفكرين أمريكيين يؤكدون جميعاً على التضارب بين سياسات إسرائيل العدوانية والمصالح الوطنية الأمريكية. وهم يشددون على أن تبعية أمريكا لإسرائيل ترجع إلى هيمنة اللوبي الصهيوني على المشهد السياسي الأمريكي وكواليس صنع القرار. هذه الشخصيات نادراً ما تظهر على شاشات القنوات الإعلامية الغربية، لكن نجوم وسائل التواصل يستضيفونهم بشكل مكثف.
ونتيجة لذلك، أصبح المواطن الأمريكي يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً أساسياً لمعلوماته، بدلاً من القنوات الإخبارية والصحف التقليدية. وهذا ما يفسر التحول التاريخي في موقف الجمهور الغربي من القضية الفلسطينية، حيث أصبحوا يتلقون المعلومات مباشرة من أرض الواقع، وليس عبر فلاتر القنوات الإخبارية المنحازة لإسرائيل. لم يعد الجمهور الأمريكي، وخاصة أنصار ترامب، ينخدعون بصورة إسرائيل الوديعة، وتصويرها لنفسها كضحية مظلومة ومعسكر الحضارة الغربية الوحيد في قلب الشرق المسلم المتخلف والهمجي، كما كانت تحاول أن تصور نفسها.
واللافت أن أبرز الحسابات التي تدافع عن الفلسطينيين باللغات الأجنبية ليست حسابات لمسلمين، بل لحسابات غربيين مسيحيين ويهود من التيار المناهض للصهيونية. ويقود هذا التيار يهود يساريون وحاخامات أصوليون يدعون إلى تفكيك إسرائيل باعتباره واجباً دينياً يهودياً، لأنهم يعتقدون أن الله حكم عليهم بالنفي عن الأرض المقدسة في فلسطين ومنعهم من إقامة دولة لهم حتى يأتي المسيح ويقيمها لهم. ويرون أن إقامة إسرائيل هي معصية لله تجلب عليهم غضب الله وكراهية شعوب العالم. هذا الصوت للحاخامات اليهود الأصوليين كان مغيباً عن الجمهور الغربي، لكن حساباتهم على وسائل التواصل التي تعبر عن معارضتهم لسياسات إسرائيل وحروبها واضطهادها للفلسطينيين رفعت الحرج عن الغربيين المسيحيين المعارضين لإسرائيل، والذين كانوا يخشون من اتهامهم بمعاداة السامية.
بالإضافة إلى ذلك، برزت عدة شخصيات يهودية غربية على وسائل التواصل، وهم ناجون من المحرقة النازية أو أبناء ناجين، يعارضون إسرائيل ويدعمون الفلسطينيين، ويشاركون في المظاهرات الداعمة للفلسطينيين، على الرغم من تقدمهم في السن. بعضهم تطوع في بعثات التضامن مع الفلسطينيين وتعرضوا لبطش السلطات الإسرائيلية. لذا، من يريد أن يعرف الاتجاه الذي سيسود قريباً في المشهد السياسي الأمريكي بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط، عليه أن يراقب عن كثب حسابات الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الفترة.